إرساء ثقافة عالمية من الامتثال للقانون الدولي الإنساني: من القول إلى الفعل
Marie-Louise Tougas, ICRC
اعتمد المؤتمر الدولي الرابع والثلاثون للصليب الأحمر والهلال الأحمر القرار 1 المعنون “إرساء ثقافة عالمية من الامتثال للقانون الدولي الإنساني”، الذي يؤكد مجدداً الجدوى الدائمة لمجموعة القوانين التي تشكّل قوام القانون الدولي الإنساني. وينص القرار مجدداً على عدد من المبادئ الأساسية في هذا القانون، مثل مبدأ عدم المعاملة بالمثل والفصل بين “قانون الحرب” و”القانون في الحرب”، وهي مبادئ ضرورية للحفاظ على الوظيفة الحمائية للقانون الدولي الإنساني. ويرمي القرار أيضاً إلى تعزيز أهمية تنفيذ القانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني. ويبث روحاً جديدة في القرار الصادر عن المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين والمعنون “إدماج القانون الدولي الإنساني وطنياً”، والذي يحث الدول على التصديق على المعاهدات واعتماد تشريعات وتدريب القوات المسلحة. بيد أن القرار لا يقتصر على ذلك، إذ يسلط الضوء على ضرورة مكافحة الإفلات من العقاب وتدريب القضاة والمدعين العامين والمهنيين القانونيين باعتبارهم يضطلعون بدور لا غنى عنه في إنفاذ القانون.
ويشدد القرار أيضاً على ضرورة أن تعمل الدول بدأب من أجل تشجيع الدول الأخرى على الامتثال للقانون الدولي الإنساني، بسُبل تشمل إقناع أطراف النزاعات المسلحة بوضع حد لأي انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. ويحث القرار الدول أيضاً، حيثما كان ذلك مناسباً، على تعزيز امتثال المجموعات المسلحة من غير الدول للقانون الدولي الإنساني.
وما فتئت الدول والجمعيات الوطنية والمنظمات الإقليمية تعمل، منذ اعتماد القرار في تشرين الأول/أكتوبر 2024، على تعزيز هذه الرؤية، بوسائل تضم تحويل الالتزامات إلى نتائج ملموسة عن طريق عمليات تبادل الآراء والتعاون واتخاذ المبادرات على الصعيد الإقليمي. وتدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) هذه الجهود، وهي شاركت في تنظيم سلسلة من الفعاليات الإقليمية ترمي إلى تعزيز التعاون الإقليمي وتبادل المعلومات عن الممارسات الجيدة.
ففي أوروبا، أُحرز تقدم في هذا الصدد بفضل المشاركة النشيطة في تقديم تقارير طوعية واعتماد تعهدات. إذ عرضت الدول والجمعيات الوطنية، خلال المؤتمر الإقليمي للّجان الوطنية الأوروبية للقانون الدولي الإنساني الذي عُقد في وارسو في أيار/مايو الماضي، بعض التعهدات المفتوحة التي قُدّمت إبّان المؤتمر الدولي الرابع والثلاثين، وناقشت أفضل الممارسات لتنفيذ التعهدات عموماً. واتفق المشاركون على أن تقديم التقارير الطوعية يظل أداة ضرورية للتقييم الذاتي وتعزيز التنسيق بين المؤسسات ونقل الرسائل الرئيسية إلى واضعي السياسات.
وفي منطقة الأمريكتين، أتاح الاجتماع الإقليمي للّجان الوطنية للقانون الدولي الإنساني، الذي عُقد في برازيليا في تموز/يوليو الماضي، جمع اللجان الوطنية من 16 دولة. وناقشت هذه اللجان القرار 1 وكيف يمكن للّجان الوطنية للقانون الدولي الإنساني الاستناد إلى مضمونه في أعمالها. وأُشير إلى تقديم التقارير الطوعية باعتباره وسيلة لتعزيز الشفافية وتأكيد الالتزام مجدداً بالقانون الدولي الإنساني. وعرضت عدة دول خبراتها في الاستعانة بآلية التقارير الطوعية للوقوف على ما حُقق من إنجازات وما برز من فجوات، وبيّنت كيف يتيح القرار 1 توجيه المساعي الرامية إلى تنفيذ القانون على الصعيد الوطني.
وفي منطقة غرب أفريقيا، عُقد الاجتماع السنوي الحادي والعشرون المشترك بين الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا واللجنة الدولية بشأن استعراض تنفيذ القانون الدولي الإنساني، في أبوجا في أيلول/سبتمبر الماضي، وشارك فيه ممثلون عن عشر دول من المنطقة. وأتاح الاجتماع إعادة تأكيد الالتزام الجماعي لدول المنطقة بوضع التعهد الذي قدمته الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في المؤتمر الدولي الرابع والثلاثين موضع التنفيذ. ودعت الدول إلى تعزيز التنسيق بين خطط العمل الوطنية والإقليمية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني، وجددت التزامها السياسي بضمان أن يتمخض تنفيذ القرار عن نتائج قابلة للقياس.
وفي منطقة جنوب شرق آسيا، عُقد المنتدى الإنساني الأول للصليب الأحمر والهلال الأحمر لجنوب شرق آسيا في كوالالمبور في أيلول/سبتمبر الماضي. وشارك في الاجتماعات التي عُقدت في إطار المنتدى ممثلون عن 11 جمعية وطنية في المنطقة، واللجنة الدولية، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (الاتحاد الدولي)، والحكومة الماليزية، وبعثات دبلوماسية، وأكاديميون، والأمم المتحدة، ورابطة أمم جنوب شرق آسيا. وبحث المشاركون أفضل الممارسات المتبعة من أجل إرساء ثقافة عالمية من الامتثال للقانون الدولي الإنساني من خلال تنفيذه على الصعيد الوطني والتعاون الإقليمي والالتزام السياسي. وسُلّط الضوء على دور رابطة أمم جنوب شرق آسيا في هذا الصدد في إطار برنامجها الخاص بالشؤون الإنسانية وبناء السلام. واعتمد المنتدى الرابع لشباب الصليب الأحمر والهلال الأحمر لجنوب شرق آسيا بياناً يؤكد مجدداً الالتزام بنشر القانون الدولي الإنساني والمبادئ الأساسية في صفوف الشباب في المنطقة.
وفي منطقة شرق أفريقيا، عُقدت الندوة الإقليمية بشأن القانون الدولي الإنساني في نيروبي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بحضور مشاركين من عشر دول، وخُصصت لبحث الجوانب الرئيسية للقرار 1، ولا سيّما دور اللجان الوطنية للقانون الدولي الإنساني، ونزع السلاح لأغراض إنسانية، وإرساء ثقافة عالمية من الامتثال. وركّز المشاركون في الندوة على قضايا مهمة تضم مثلاً إدماج أحكام القانون الدولي الإنساني في مبادئ العقيدة العسكرية والتعليم العسكري، وكذلك تعزيز الآليات الوطنية، ومنها اللجان الوطنية للقانون الدولي الإنساني. وناقش المشاركون أيضاً أهمية نزع السلاح لأغراض إنسانية، وأهمية التصديق على معاهدة تجارة الأسلحة. وأبرزت المناقشات عدداً من التحديات، مثل محدودية الموارد وتنافس الأولويات، وأشارت في الوقت ذاته إلى إحراز تقدم مشجع، ولا سيّما عملية تقديم التقارير الطوعية الجارية في كينيا، فضلاً عن تجديد إثيوبيا التزامها بإنشاء لجنة وطنية للقانون الدولي الإنساني.
وختاماً، اتُخذت مبادرة ترمي إلى نشر مقال بشأن تعليم القانون الدولي الإنساني اشتركت في إعداده اللجنة الدولية والاتحاد الدولي والصليب الأحمر الأميركي والصليب الأحمر الكندي والصليب الأحمر الدانماركي، فجسّدت المبادرة الالتزام المشترك بتعزيز إرساء ثقافة عالمية من الامتثال. ويستند ذلك المقال المعنون “تعليم القانون الدولي الإنساني “2.0”: من خيبة الأمل إلى إرساء ثقافة عالمية من الامتثال” إلى القرار 1، الذي يقر بأن التعليم والتوعية عاملان ضروريان لضمان احترام جميع الأطراف الفاعلة للقانون الدولي الإنساني.
وفي الوقت ذاته، يواصل المستشارون القانونيون للّجنة الدولية في جميع أرجاء العالم الترويج للقرار وللتعهدات المختلفة التي قُدّمت خلال المؤتمر الدولي الأخير، فضلاً عن تقديم الدعم للسلطات والجمعيات الوطنية في هذا الصدد.
ويتبيَّن من المبادرات المذكورة آنفاً أن تنفيذ القرار 1 يسير على قدم وساق. والرسالة المنبثقة عن ذلك في جميع المناطق واضحة ومفادها أن القرار 1 ليس مجرد بيان، بل يُعدّ خارطة طريق للعمل الجماعي. وتعمل الدول والجمعيات الوطنية، من خلال التعهدات وتقديم التقارير الطوعية والتعاون الإقليمي، على تعزيز ثقافة من الامتثال للقانون الدولي الإنساني تكون قائمة على المسؤولية المشتركة والمبادرات العملية.

The International Committee of the Red Cross, the International Federation of Red Cross and Red Crescent Societies, and the Standing Commission of the Red Cross and Red Crescent, in its function as Trustee of the International Conference of the Red Cross and Red Crescent (the Conference), cannot be held responsible or liable in any manner for any user-generated content or posts on this Database. In the event that the Website team considers any post or content to be incompatible with the Fundamental Principles of the International Red Cross and Red Crescent Movement and/or with the objectives of the Conference, it reserves the right to remove such content.